رائد صلاح.. شيخ الأقصى الذي "دوخ" المحتل
الشيخ رائد صلاح
ثمانية وخمسون عاما من تجربة الحياة خطت على وجهه علامات الهدوء والحكمة.. إلا أنه ما أن يذكر المسجد الأقصى ومدينة القدس المحتلة حتى تتشكل حروفه تهديدا ووعيدا للاحتلال الإسرائيلي ولجماعاته اليهودية المتطرفة.
إنه الشيخ رائد صلاح المُلقب بـ"شيخ الأقصى"، إذ لا يدخرا وقتا ولا جهدا للدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، حتى وهو خلف القضبان في سجون الاحتلال الإسرائيلي مرة تلو الأخرى.
مع رجل كهذا احتارت المؤسسة الإسرائيلية بشأن أي الطرق يمكن أن تسلكها لإيقافه عن نشاطه في حماية الأقصى، فمارست الاعتقال بحقه، وحاولت اغتياله بإصابة مباشرة، إلا أن مشيئة الله أبقته على قيد الحياة، ومنعته مرارا من دخول الأقصى، وصباح اليوم الأربعاء 7-10-2009 قضت محكمة إسرائيلية بإبعاده عن مدينة القدس المحتلة لمدة ثلاثين يوما.
المولد والنشأة
في مدينة أم الفحم، أو كما يسميها الفلسطينيون "أم النور"، ثالث أكبر مدن الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 من حيث عدد السكان، ولد الشيخ صلاح في عام 1951 لأم وأب فلسطينيين رفضا أن يهجرا أرضهما للمحتل عقب نكبة 48، وفضلا أن يورثا أرضهما لأبنائهما وأحفادهما.
التحق الشيخ صلاح بمدارس المدينة، حيث أنهى تعليمه في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم حصل على الشهادة الجامعة من كلية الشريعة في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة.
وقد مهدت البيئة الدينية الملتزمة التي نشأ فيها طريقه إلى الانخرط في العمل الإسلامي خلال مراحل مبكرة من حياته، وبعد تخرجه في الجامعة زج به الاحتلال خلف القضبان عام 1981؛ بزعم الارتباط بمنظمة محظورة وهي "أسرة الجهاد".
وبعد خروجه من السجن فرض عليه الاحتلال الإقامة الجبرية لفترة طويلة كان خلالها ممنوعا من مغادرة القدس وممنوعا أيضا من مغادرة منزله خلال الليل، وكان عليه كذلك إثبات وجوده مرة أو مرتين يوميا في مركز الشرطة الإسرائيلي بمنطقة وادي عارة.
حاول صلاح الالتحاق بسلك التدريس كمعلم في مدارس أم الفحم، إلا أن وزارة المعارف الإسرائيلية رفضت طلبه، فعمل في المهن الحرة، ثم تزوج في عام 1985، وهو أب لسبعة أبناء.
وفي العام التالي بدأ العمل كمحرر في مجلة "الصراط" الشهرية الإسلامية، التي كانت تصدرها الحركة الإسلامية داخل الخط الأخضر (الأراضي المحتلة عام 48) حتى نهاية عام 1988.
وفي مطلع العام التالي تفرغ لخوض انتخابات رئاسة بلدية أم الفحم عن الحركة الإسلامية، ليحقق نجاحا زادت نسبته عن 70%، وليصبح رئيسا للبلدية وهو ابن 31 عاما، ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993، وحقق فوزا موازيا للمرة الأولى، وبعدها بخمس سنوات خاض التجربة للمرة الثالثة، ونجح بنسبة مماثلة للمرتين السابقتين.
في عام 1996 انتخب رئيسا للحركة الإسلامية، ثم أعيد انتخابه عام 2001، وخلال هذه السنوات كان أيضا رئيسا لبلدية أم الفحم، إلى جانب تقلده مهمة رئيس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية حتى عام 2002، ورئيس مؤسسة الإغاثة الإنسانية.
ومع إعادة انتخابه رئيسا للحركة الإسلامية قبل ثماني سنوات قدّم استقالته من رئاسة بلدية أم الفحم، ليصبح أول رئيس بلدية يقدم على مثل هذه الخطوة في الوقت الذي أشارت فيه جميع الاستطلاعات أن بإمكانه الفوز بهذا المنصب لعدة دورات قادمة.
كذلك شغل الشيخ صلاح منصب نائب رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، ونائب رئيس لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب منذ انتخابه لرئاسة بلدية أم الفحم حتى استقالته.
وفي عام 1998 أعلن عن انطلاق "مشروع المجتمع العصامي" الهادف إلى بناء الذات لفلسطينيي الداخل من أجل "مواجهة خطر مسح الذاكرة الفلسطينية بين أجيال من الفلسطينيين".
الهيكل المزعوم
تعمد الاحتلال الإسرائيلي الاعتداء على المقابر والمساجد وبقية المقدسات الإسلامية في فلسطين 48 جعل الشيخ صلاح يضع حماية هذه المقدسات على قمة أولوياته، وهو ما مهد أمامه الطريق لينتخب في أغسطس 2000 رئيسا لجمعية الأقصى لرعاية المقدسات الإسلامية التي ساهمت بشكل فاعل في الدفاع عن المساجد، ونجحت في فضح محاولات الاحتلال المتكررة لتنفيذ حفريات تحت المسجد الأقصى بدعوى البحث عن بقايا الهيكل الثالث المزعوم.
ومنذ عام 1996 بدأ نشاطه يتعاظم في إعمار المسجد الأقصى، وبقية المقدسات الإسلامية، واستطاع من خلال متابعاته الحثيثة أن يكشف عن حفر الاحتلال نفقا جديدا تحت الأقصى، ويقول عن هذه الحادثة: "يومها أيقنت أنه لا بد أن أبذل كل ما أملك لإعمار وإحياء المسجد الأقصى المبارك ودفع كل خطر قد يتهدده".
وبالفعل نجح الشيخ صلاح من خلال المؤسسات التي يرأسها في إعمار المصلى المرواني داخل الحرم القدسي الشريف وفتح بواباته العملاقة، وتنظيف ساحات المسجد الأقصى وإضاءتها، وإقامة وحدات مراحيض ووضوء في باب حطة والأسباط وفيصل والمجلس.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عمد من خلال مؤسسة البيارق التابعة للحركة الإسلامية إلى مد المسجد الأقصى بآلاف الزوار والمصلين بشكل شبه يومي، وعمل أيضا على إحياء دروس المصاطب التاريخية، وأبرزها "درس الثلاثاء" الذي يحضره اليوم نحو خمسة آلاف مسلم أسبوعيا في الأقصى.
وفي سبيل ربط الأطفال داخل الأقصى ساهم الشيخ صلاح في إنشاء مشروع صندوق طفل الأقصى، الذي يهتم برعاية نحو 16 ألف طفل، وتنظيم المسابقة العالمية تحت عنوان "بيت المقدس في خطر"، وذلك في شهر رمضان، والتي عادة ما يشارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص من كل أرجاء العالم، إضافة إلى مسابقة الأقصى العلمية الثقافية.
ولم يغفل الشيخ صلاح من خلال المؤسسات التي يرأسها الدور الإعلامي في قضية القدس، فأنتج عدة أفلام وثائقية وكتب عن الأقصى، مثل شريط "المرابطون" و"الأقصى المبارك تحت الحصار" وكتاب "دليل أولى القبلتين"، بجانب التغطية الإعلامية اليومية المباشرة لكل الأحداث المتعلقة بالأقصى والقدس، وهو يقرض الشعر منذ أكثر من عشرين عاما، ويتمتع بحس فني مرهف، حيث يمارس هواية الرسم.
محاولة اغتيال
"الأقصى سيهدم إذا شاء الله ذلك.. لا نخاف إلا من الله.. لا نخشى أحدا إلا الله".. تلك هي أشهر العبارات التي يرددها الشيخ صلاح في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة بحق المسجد المبارك.
ولفضحه ورفضه للمخططات والاعتداءات الإسرائيلية على الأقصى والقدس عامة جعلت سلطات الاحتلال من الشيخ صلاح "عدوها الأول" فيما يخص المقدسات الإسلامية داخل الخط الأخضر.
وفي عام 1998 قاد صلاح مواجهات "الروحة" التي جاءت عقب محاولة قوات الاحتلال وضع يدها على مساحة واسعة من أراضي منطقة الروحة قرب مدينة أم الفحم لضمها لإدارة المؤسسة الإسرائيلية؛ مما أسفر عن إصابة حوالي 600 مقدسي بالرصاص والاختناق، وتم إفشال المخطط الإسرائيلي.
وفي عام 2000 تعرض الشيخ صلاح لمحاولة اغتيال في الأيام الأولى من انتفاضة الأقصى، حيث أصيب بعيار ناري في رأسه أطلقه أحد جنود الاحتلال، ألا أنه تعافى وعاد لممارسة مهامه.
بعدها اشتدت الحملة الرسمية وغير رسمية الإسرائيلية على الشيخ صلاح، ولفق له الاحتلال تهمة "تهديد أمن الدولة"، وجرى التحقيق معه ومنعه من السفر إلى الخارج، وكذلك منعه من دخول المدارس الثانوية ثم الجامعات لإلقاء محاضرات.
وفي مايو 2003 اعتقلت الشرطة الشيخ صلاح و13 من قادة الحركة الإسلامية بزعم أنهم قاموا بتبييض أموال لحساب حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ثم جرى الإفراج عنه منتصف يوليو 2005 ضمن صفقة أبرمها محامو الدفاع عنه مع السلطات الإسرائيلية بعد فشل الأخيرة في إثبات التهمة الموجهة إليه.
الأقصى في خطر
وسنويا تقيم الحركة الإسلامية بزعامة الشيخ صلاح مهرجانا عالميا تغطيه عشرات القنوات الفضائية العربية والأجنبية في مدينة أم الفحم تحت عنوان "الأقصى في خطر"، ويحضره نحو ستين ألف فلسطيني.
وتعمل الحركة الإسلامية من خلال مؤسساتها على كفالة الأيتام الفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، ودائما ما يدعو الشيخ صلاح إلى رص الصف الوطني الفلسطيني لمواجهة الاحتلال، وهو من مؤيدي خط المقاومة الفلسطينية في دحر الاحتلال.
وما تزال الشرطة الإسرائيلية تفتح أمام القضاء ست ملفات ضد الشيخ صلاح، وتحاول من خلالها النيل من "شيخ الأقصى"، الذي يحظى باحترام كبير على المستوى الرسمي والشعبي في العالم العربي والإسلامي.
المصدر : إسلام أون لاين